النشاط العسكري في الضفة الغربية
- acri-rights
- Nov 25
- 6 min read
Updated: Dec 3
قتلى وجرحى في الضفة الغربية، خاصة شرقي القدس
بحسب معطيات الأمم المتحدة، منذ اندلاع الحرب في سبعة تشرين الأول أكتوبر 2023 ولغاية أكتوبر 2025، قُتل في الضفة الغربية، ومن ضمنها شرقي القدس، 1001 فلسطيني، منهم 210 أطفال، 20 امرأة و 7 من ذوي المحدوديات. رغم أن أعداد الإصابات كانت مرتفعة بشكل خاص في الأشهر الأولى التي تلت السابع من أكتوبر، إلاّ أنّه أيضاً على مدار 2024 و 2025، بقيت معطيات القتلى الفلسطينيين أعلى بأضعاف مضاعفة مما في السنوات السابقة. من بين القتلى، قُتل 33 أثناء هجمات المستوطنين – 19 على يد مستوطنين و 14 على يد الجيش أو المستوطنين.
العديد من المدنيين، منهم النساء والمسنون والأطفال، أصيبوا خلال الحملة العسكرية الواسعة شمال الضفة ببداية 2025 وخلال الأعمال العسكرية الأخرى التي تلتها. إرتفاع أعداد المصابين بنيران الجنود متعلق مباشرة بالتسهيلات في تعليمات الشروع بإطلاق النار وبتبنّي ممارسات قتالية متبعة في غزة تزيد خطر إصابة المدنيين غير المنخرطين في القتال. هناك عامل آخر وهو الإرتفاع الحاد والمتواصل في هجمات المستوطنين ضد الأفراد والبلدات والتجمعات السكنية، إلى جانب غياب الحماية الفعلية للسكان الفلسطينيين أو غياب الردع ضد من يسيئون لهم – سواء كانوا جنوداً أو مستوطنين.
من تحليل هذه الأحداث والممارسات، التي سنستعرضها في هذا الفصل، نشأ شعور قوي بوجود ازدراء تام لحياة الفلسطينيين في الضفة الغربية كما في غزة أيضاً – لا مبالاة تعمقت ولم تعد مخفية، منذ السابع من أكتوبر.
طرد وتدمير برعاية النشاط العسكري المنظم
في شهري يناير وفبراير 2025، عملت إسرائيل في إطار حملتها العسكرية "الأسوار الحديدية" بشمال الضفة، مشددة على مخيمات اللاجئين جنين وطولكرم ونور شمس، وكذلك ببلدات أخرى في المنطقة، ولاحقاً بصيف 2025، في مدينة نابلس حتى. هذه الحملة التي أعلنت بهدف تصفية تنظيمات وبنى تحتية للإرهاب في المنطقة، وخاصة في جنين، أدت بالإضافة لذلك إلى موت وجرح نساء وشيوخ وأطفال، إلى الإخلاء القسري لعشرات آلاف السكان من بيوتهم، إلى التدمير المتعمد والمنهجي للأحياء ولمئات المساكن، وأيضاً التدمير الهائل للبنى التحتية المدنية والشوارع.
بحسب معطيات الأمم المتحدة، 31،919 من سكان مخيمات اللاجئين جنين وطولكرم ونور شمس، هُجروا من بيوتهم تحت مظلة الحملة العسكرية. حيث يعيش السكان المهجرون في ضائقة إنسانية حادة، مع عدم وجود المأوى وعدم القدرة على الوصول إلى ممتلكاتهم وللمعدّات الحيوية وكذلك الوصول المنتظم إلى خدمات جهازَي التعليم والصحة. وفي ظل انعدام القدرة على تسيير حياتهم الإعتيادية وعلى الترزق، تحوّل العديد من المهجرين إلى متلقّين للمساعدات.
اضطر بعض السكان للنزوح بأوامر مباشرة من جنود اقتحموا بيوتهم، أو في أعقاب بلاغات الجيش التي نصّت بشكل صريح على ضرورة مغادرتهم لأن هناك خطر داهم إذا لم يفعلوا ذلك. آخرون اضطروا لمغادرة بيوتهم بعد توقف كافة الخدمات في المخيم وبسبب الدمار الواسع للبنى التحتية والمباني والطرقات. في أيلول سبتمبر 2025، قدّمت جمعية حقوق المواطن إلتماساً يطالب بإتاحة عودة سكان مخيمات اللاجئين الذين تم تهجيرهم إلى بيوتهم.
بعد قتال كثيف داخل نطاق المخيمات، توجه الجيش لعملية "إعادة تشكيل" الحيّز، ومن جملة ذلك، بواسطة هدم البيوت – وليس لأسباب أمنية معيّنة، إنما لتسهيل القتال داخل نطاق المخيمات في المستقبل، وعلى سبيل المثال، إتاحة المجال لمرور الدبابات والمركبات العسكرية بسهولة وأمان. سارت عملية اتخاذ قرارات هدم البيوت دون مراعاة الحقوق الإجرائية للسكان وتجاهل حقوق ملكيتهم. المئات من بيوت سكان مخيمات اللاجئين هُدم بإنذار ل 24 ساعة فقط. الإجراءات القضائية التي اتخذت بهذا الشأن صادقت بالعموم على إجراءات الهدم، بحجة وجود مبرر أمني لا مكان للتدخل فيه.
مثلاً وفي تحقيق لمنظمة "بمكوم"، شمل مراجعة دقيقة للصور من الجو، تحليل الخرائط والتوثيق الميداني لمنطقة مخيم طولكرم للاجئين قبل وبعد عمليات الهدم في جزئه الشمالي، في النصف الأول من 2025، تُطرح عدة استنتاجات:
عمليات الهدم الفعلية أوسع من المخطط، وقد شملت عدداً أكبر من المباني التي جرى مسبقاً وضع العلامات عليها للهدم. إن الضرر كبير وله عواقب وخيمة، وهو غير متناسب حتى مع غرضه المعلن (أي شق المحاور لمرور المركبات العسكرية الثقيلة في مراكز الأحياء).
تشمل عمليات الهدم إلحاق الضرر الواسع في البنى التحتية، الأمر الذي يضع إمكانية إعادة إعمارها موضع شك كبير. هناك شك بأن تكون في المستقبل المنظور أية إمكانية لإستخدام المنطقة، التي كانت تضم مؤخراً آلاف السكان كمكان سكن لهم.
في الأوراق التي تسلمها السكان كجزء من البلاغات عن الهدم المخطط لبيوتهم، جرت الإشارة لنطاق الهدم بإهمال وبشكل غير مهني تنقصه التفاصيل، الأمر الذي صعّب عملية فهم نطاق الهدم المخطط وأدى إلى تضليل السكان. فعلياً وكما ذُكر، كان الهدم أوسع بكثير مما أُعلن مسبقاً.
للمزيد من القراءة، راجعوا:
موقع منظمة "بمكوم – التخطيط وحقوق الإنسان": هندسة التدمير والسيطرة، تموز يوليو 2025.
وفي موقع جمعية حقوق المواطن: إتاحة عودة سكان شمال الضفة الغربية إلى بيوتهم.
إستيراد ممارسات قتالية من غزة إلى الضفة
إنّ الدمار الكبير في مخيمات اللاجئين بشمال الضفة يشبه الدمار الممنهج في غزة، ويدل على تبنّي عقيدة الضاحية هنا أيضاً. كما ويمكن أن نرى في أنحاء الضفة، وخاصة بالحملات العسكرية في مخيمات اللاجئين بالشمال، إستخدام ممارسات عسكرية أخرى قد أصبحت معتادة لدى الجيش خلال القتال في غزة. تشمل هذه الممارسات الهجمات الجوية – التي عادت إلى الضفة لأول مرة بعد الإنتفاضة الثانية، خلال الأشهر التي سبقت السابع من أكتوبر لكنها تحولت الآن لأمر تقريباً اعتيادي؛ إزدياد حالات المساس المكثف بالأبرياء وتعريفهم على أنهم "ضرر عرَضي"؛ إستخدام المركبات المحصنة، خاصة الدبابات، في مناطق ذات كثافة في البناء؛ تدمير متعمد للبنى التحتية المدنية بحجة إحتياج القوات للتحرك بحرية وترسيخ الردع؛ إقتلاع وطرد عشرات الآلاف من سكان المخيمات من بيوتهم؛ وحتى العودة لإستخدام الفلسطينيين كدروع بشرية – ممارسة غير قانونية محظورة رسمياً لدى الجيش، لكنها اليوم مقبولة ومنتشرة في غزة.
التسهيلات في أوامر إطلاق النار في الضفة تساهم كثيراً في ارتفاع عدد الإصابات، خاصة النساء والأطفال. على سبيل المثال إطلاق النار على الفلسطينيين الذين "ينشغلون في الأرض" - وهو فعل عشوائي لا معنى له قد يصبح بمثابة حكم بالإعدام.
منذ البداية، كانت تعليمات الجيش بشأن إطلاق النار واسعة وتوفر فعلياً الحماية القضائية الجارفة لمطلقي النار؛ فمن النادر جداً أن يتم التحقيق في حالات قتل الفلسطينيين. وذلك بخلافاً تام للقواعد التي وضعها الجيش، والتي تُلزم بإجراء تحقيق في كل حالة قتل لا تكون ظروفها ذات طابع حربي.
النهب من قبل عناصر قوات الأمن
تحدث جريمة النهب في الضفة عندما يقوم جنود أو ضباط شرطة إسرائيليون بأخذ ممتلكات ثمينة أو أموال نقدية دون إذن مالكها ونقلها إلى ملكيتهم الخاصة، مستغلين بذلك ما لديهم من قوة وتخويل. النهب هو جريمة حرب ويتعارض مع تعاليم الجيش ومع التزامات دولة إسرائيل في إطار القانون الدولي. يحظر أمر هيئة الأركان العامة الذي ينظّم الإستيلاء على الممتلكات في الأراضي المحتلة على الجنود وقوات الشرطة العاملة تحت القيادة العسكرية نهب الممتلكات الخاصة. وينظر الجيش إلى أعمال السرقة باعتبارها جريمة خطيرة ضد "النقاء الأخلاقي". على الرغم من ذلك، نهب الممتلكات الفلسطينية من قبل الجنود في الضفة الغربية موجود وموثّق منذ سنوات طويلة، إلاّ أنه بالفترة الأخيرة طرأ تصعيد وتطبيع للظاهرة.
منذ السابع من أكتوبر 2023، تزايدت بلاغات الفلسطينيين عن حالات قام فيها جنود أو عناصر شرطة إسرائيليون بسرقة نقودهم وممتلكاتهم الثمينة، أثناء الإقتحامات العسكرية للبيوت أو أثناء التفتيش على الحواجز. لكن وكما يبيّن الفحص الذي أجرته منظمة "ييش دين"، فأيضاً بالحالات القليلة جداً التي تجرأ فيها الفلسطينيون وقدّموا بلاغات عن النهب والسرقة، لا يتم التحقيق في الشكوى بشكل ناجع، أو أنه لا يتم التحقيق فيها بتاتاً.
لقراءة المزيد، راجعوا تحقيق منظمة "ييش دين": نهب بالزي العسكري – نهب أموال وممتلكات الفلسطينيين على يد جنود وعناصر شرطة إسرائيليين في الضفة الغربية، آب اغسطس 2025
المساءلة والشفافية
يمتنع الجهاز العسكري لإنفاذ القانون وبشكل منهجي، عن التحقيق مع جنود يسيئون للفلسطينيين ولممتلكاتهم، أو عن تقديمهم للمحاكمة. من معطيات منظمة "ييش دين" يتبين أنه في أغلب الحالات (70%) المبلغ عنها للنيابة العسكرية، لا يتم بتاتاً فتح تحقيق جنائي، ومن مجموع التحقيقات التي شُرع فيها، قد تم تقديم الجنود للمحاكمة فقط في 5% من الحالات. معنى ذلك أن الجنود قُدموا للمحاكمة فقط بنسبة 1.5% من مجموع الشكاوى المقدمة، والتي من البداية عددها أقل بكثير من عدد الأحداث التي حصلت فعلياً، وذلك لأن الكثير من الفلسطينيين يخشون تقديم شكوى ضد الجندي الذي أساء لهم. حتى في الحالات النادرة حيث يتم إدانة جنود بارتكابهم مخالفات ضد فلسطينيين، تصدر المحاكم العسكرية أحكاماً وعقوبات متساهلة ومستهترة جداً.
التحقيق في حالات قتل الفلسطينيين على يد الجيش: خلافاً لسياسة التحقيقات الرسمية، لا يحقق الجيش في كل الحالات التي يُقتل فيها مدنيون فلسطينيون على يد الجنود. من بين 219 شكوى عن حالات قتل لفلسطينيين على يد الجنود في الضفة الغربية والتي أُعلم الجيش بها في السنوات 2018-2022، جرى فتح 107 تحقيقات، ومن بين عموم هذه التحقيقات، تحقيق واحد فقط (0.9%) انتهى بالتقديم للمحاكمة. إنّ احتمالية تقديم جندي للمحاكمة على أثر شكوى بخصوص قتل فلسطيني بالضفة الغربية، هي تقريباً صفر، وتبلغ 0.4%. هذه الحصانة التي تكاد تكون مطلقة تلغي أي ردع للقيام بإطلاق النار بغية القتل من دون ضرورة ولا مبرر، وتساهم في جعل حالات قتل الفلسطينيين على يد الجنود الإسرائيليين أمراً طبيعياً.
لا تقوم النيابة العسكرية بالنشر العلني عن عدد البلاغات والشكاوي التي وصلتها على أثر شبهات بأحداث أساء فيها الجنود لفلسطينيين، عدد التحقيقات التي قامت بها أو عدد لوائح الإتهام التي قدّمتها في أعقاب أحداث كهذه. معالجة الناطق بأسم الجيش لطلبات الحصول على المعطيات بموجب قانون حرية المعلومات، تميل إلى المماطلة الممتدة لأبعد من الوقت الذي ينص عليه القانون، بل أحياناً يحتاج الأمر لتقديم التماس إداري ضد الجيش بغية الحصول على المعلومات المطلوبة. إن غياب الشفافية يساهم في خلق جو يسمح بعدم المسؤولية.

