القيود على حرية الحركة
- acri-rights
- Nov 23
- 5 min read
Updated: Dec 3
حرية الحركة هي حق أساسي ومكوّن حيوي من مكونات حرية الإنسان بأبسط معانيها. إنّ تقييد حرية الحركة يمس مباشرة حقوق الإنسان الأخرى نتيجة غياب القدرة على الوصول للخدمات الطبية أو التعليمية مثلاً، إلى أماكن العمل، الأراضي الزراعية وما إلى ذلك. حق الفلسطينيين في الضفة الغربية بالحركة والتنقل بحرية داخل الضفة والخروج منها ، محدود بمستويات مختلفة وذلك منذ بدايات الإحتلال. ومنذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر والحرب التي اندلعت إثر ذلك، أصبحت القيود على حرية الحركة أكثر ضراوة وبأشكال مختلفة، مع الإساءة المباشرة والحادة لغالبية السكان. حتى أن هذه التقييدات قد اشتدت في السنة الثانية للحرب على خلفية الحملة العسكرية بشمال الضفة.
إعاقة التحرك داخل الضفة وفي شرقي القدس
فور اندلاع الحرب أرسى الجيش تقييدات حادة جداً على تحرك الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، خاصة على التجمعات السكانية في غور الأردن وفي "مناطق التماس". هذه السياسة التي ما زالت منتهجة بل وزادت حدتها خلال الفترة، تقيّد بشكل شبه مطلق سفر الفلسطينيين على الشوارع الرئيسية أو تستلزم المرور بحواجز عديدة والوقوف بأزمات سير طويلة. لقد جرى تطويق العديد من التجمعات السكانية والقرى الفلسطينية بشكل فعلي بواسطة البوابات ومختلف التسكيرات الدائمة أو الآنية، كما تم سد محاور مرورية للخروج والدخول إلى ومن القرى والبلدات.
من فحص أجرته الأمم المتحدة في أيار مايو 2025، وجدوا في أنحاء الضفة 849 عائقاً يمنع تماماً أو يحد ويراقب حركة ال 3.3 مليون فلسطيني الذين يعيشون في الضفة الغربية، شرقي القدس والمنطقة H2 في الخليل، بشكل دائم أو متقطع. تشمل هذه العوائق وسائل مختلفة كالحواجز التي تعمل 7/24، الحواجز التي تعمل جزئياً، بوابات طريق، مكعبات إسمنتية، وحتى وسائل منزوعة كأكوام التراب والصخور. وبينما نجد المئات من المعيقات دائمة ولا تسمح بالعبور، هناك أيضاً 172 من بوابات الطريق التي من المفروض أن تسمح بالحركة في الشوارع، مغلقة على الأغلب ولا تسمح بالمرور أحياناً كثيرة.
صحيح لأيار مايو 2025، تم وضع حوالي 150 من العوائق منذ اندلاع الحرب، 36 منها نُصب ما بين كانون الأول ديسمبر 2024 وشباط فبراير 2025 في نقاط مختلفة من الضفة الغربية، بهدف عزل الشوارع المشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين. بالإضافة لذلك، بلّغ نشطاء "مقاتلون من أجل السلام" عن إقامة بوابات وصول أخرى خلال تموز يوليو 2025، في منطقة بيت لحم، وعن حالة هلع بين السكان الفلسطينيين خشية خلق حالات حظر تجول وخشية المساس بأمنهم مستقبلاً. هنا أيضاً تُغلق البوابات أحياناً دون إنذار مسبق.
وقد أدت هذه العوائق إلى خلق مسارات مرورية ضيقة أجبرت آلاف المركبات على التسرب عبر الشوارع والحواجز الجانبية، مما أدى إلى خلق اختناقات مرورية ضخمة، يطول فيها الإنتظار لساعات طويلة، وخاصة تأخير خدمات الطوارئ الطبية وخدمات الإطفاء.
تشكّل سياسة الإغلاق وتقييد الحركة المرورية إساءة شديدة لحرية الحركة، وهي ذات عواقب وخيمة على الحياة اليومية – مثل قدرة السكان الفلسطينيين على العمل، على الدراسة، على تلقّي الرعاية الطبية، على إدارة حياتهم الإجتماعية والعائلية، وغير ذلك. هذه العوائق تقيّد كثيراً القدرة على الوصول إلى الأراضي الزراعية ملحقة الأذى الإقتصادي القاتل بالعائلات وبالمجتمعات السكانية التي تعتمد على الزراعة في معيشتها، وحتى تمنع أحياناً الوصول للإحتياجات الإنسانية الأساسية كمياه الشرب والإستهلاك الشخصي.
جمعية حقوق المواطن، أطباء لحقوق الإنسان، "ييش دين"، "بمكوم" ومركز الدفاع عن الفرد إلتمسوا للمحكمة العليا في شباط فبراير 2025، للمطالبة بأن يقوم الجيش ورئيس الإدارة المدنية بالنشر الدائم عن الأوامر التي تبيّن تقييدات الحركة على الفلسطينيين في المناطق، حتى يتمكن هؤلاء من معرفة أي التقييدات تسري عليهم، أين ومتى. عارض الجيش ذلك بإدعاءات أمنية، وما زال الإلتماس معلقاً وعالقاً على حاله.
تقييد الوصول إلى الأراضي الزراعية وإغلاق مناطق خط التماس في الضفة الغربية
لا يُسمح للعديد من المزارعين في أنحاء الضفة بالوصول إلى أراضيهم وفلاحتها، سواء بشكل دائم أو متقطع. أمّا المزارعين الملزمين بتنسيق ذهابهم إلى الأراضي والكروم مع مديرية التنسيق والربط، فيلاقون أحياناً كثيرة الرد السلبي أو يخصص لهم وقت قصير جداً، الأمر الذي يضر مباشرة برزقهم، بحقهم في الملكية وحتى بالعادات والتقاليد العريقة مثل موسم قطف الزيتون الذي له أهمية بالغة لدى المجتمعات السكانية.
منذ اندلاع الحرب، تمنع إسرائيل من حوالي 20،000 مزارع فلسطيني ممن يملكون أراضٍ حبيسة داخل "مناطق التماس"، وهي الجيوب في الضفة الغربية التي نشأت نتيجة بناء جدار العزل، من الوصول إلى أراضيهم هناك وفلاحتها. الحديث هنا هو عن سكان كان لديهم عشية الحرب وبشكل قانوني، تصاريح دخول إلى "مناطق التماس" لهذا الغرض. في حزيران يونيو 2024، عرضت إسرائيل مخططاً بسيطاً لفتح بضع بوابات من بين عشرات البوابات الزراعية الدائمة الموجودة في خط التماس، بغية السماح بمرور المزارعين أصحاب المحاصيل الموجودة داخل مناطق التماس والتي تحتاج الرعاية اليومية. حتى كانون الثاني يناير 2025، كان هناك فقط 919 تصريحاً كهذا ساري المفعول – أي أقل من 5% من عموم المزارعين الذين يحتاجون الوصول إلى أراضيهم. الغالبية الكبرى من المزارعين لديها كروم زيتون، وتشكّل أراضيهم حوالي 95% من الأراضي الزراعية الموجودة داخل مناطق التماس. إسرائيل منعت هؤلاء المزارعين من الوصول بغية العناية بمزروعاتهم من شجر الزيتون وقطفها طيلة سنتين على التوالي، وفي كانون الثاني يناير 2025، أبلغت أن حظر وصول هؤلاء المزارعين سيصبح دائماً ما عدا في موسم قطف الزيتون. بأيار مايو 2024، إلتمس مزارعون متضررون مع مركز الدفاع عن الفرد إلى المحكمة العليا في هذا الشأن. ما زال الإلتماس معلّقاً وعالقاً.
يُذكر أيضاً أن دخول أكثر من 5،000 فلسطيني هم أصحاب وموظفو أعمال تجارية، ولديهم تصاريح دخول، قد حُظر منذ اندلاع الحرب، لكن وفي أعقاب التماس مشابه، يتم تجديد هذه التصاريح تدريجياً، شرط التقدم بطلب، وذلك منذ أيار مايو 2024.
توسيع مساحة خط التماس وقيود الوصول
بدل الإستجابة لدعوة محكمة العدل الدولية من العام 2004 إلى إزالة المقاطع من جدار الفصل المبنية داخل الضفة الغربية وإلغاء نظام التصاريح، يواصل الجيش فرض هذا النظام على المزيد من السكان.
في بداية أيلول سبتمبر 2025، وقّع قائد القيادة الوسطى على أمر عسكري عن أن حوالي 20،000 دونم (حوالي 20 كيلومتر مربع) من أراضي الضفة الغربية في محيط مستوطنة "غفعات زيئيف" – العالقة بين جدار الفصل والخط الأخضر – منطقة مغلقة، يُحظر على الفلسطينيين الذين لا يقطنون فيها، الدخول إليها والمكوث فيها. تشمل هذه المنطقة المذكورة في الأمر ثلاث قرى فلسطينية – بيت إكسا، النبي صاموئيل والخلايلة، تنقّل سكانها حتى الآن داخل وخارج المنطقة إستناداً لقوائم سُلّمت للجنود على حواجز الجدار. الآن وبعد الإعلان عن إغلاق المنطقة، يُفرض على سكان هذه القرى نظام شديد من التصاريح، يُضطر فيه كل واحد منهم إلى تقديم طلب فردي للحصول على تصريح للمكوث في بيته. في الشهر الأخير، تلقّى مركز الدفاع عن الفرد عشرات التوجهات من سكان بيت إكسا الذين رُفض طلبهم التصريح لدواعٍ أمنية، وأصبحت قدرتهم على مواصلة العيش في بيتهم محفوفة بالخطر.
منع دخول الفلسطينيين من الضفة إلى إسرائيل وتقييد دخول الأجانب إلى الضفة
فوراً بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، حظرت إسرائيل بشكل جارف دخول 115،000 عامل فلسطيني من الضفة الغربية، ممن لديهم تصاريح عمل قانونية في إسرائيل. لم يتم إلغاء هذه التصاريح، لكن فعلياً، بالاستثناء من 8،000 عامل ممن عُرّفوا كحيويين، ما زال دخول العمال ممنوعاً حتى اليوم. إنّ العواقب الإقتصادية على العمال وعائلاتهم، وعلى الإقتصاد في الضفة عموماً، طويلة المدى، بحيث أن عائلات كثيرة غير قادرة على أن توفر لنفسها الحاجيات الأساسية كالطعام وأقساط التعليم. في أعقاب هذه الضائقة، قام العديد من العمال بممارسة حقهم بسحب عموم أموال التقاعد التي تراكمت في صناديقهم بإسرائيل. وقد اضطر العمال الذين قرروا القيام بذلك إلى التخلي في المقابل عن تصاريح عملهم داخل إسرائيل.
بحسب معطيات منظمة "مسلك"، مع إندلاع الحرب، جرى كذلك تجميد تصاريح عمل ل 48،000 فلسطيني بمستوطنات الضفة الغربية، إلاّ أنه وخلال 2024، تم تجديد التصاريح ل 32،000 منهم. وهذا يعني أنه لا يوجد حظر جارف على تشغيل الفلسطينيين. في نظر المنظومة الأمنية تعتبر الضائقة الإقتصادية الصعبة بالضفة الغربية خطراً أمنياً متزايداً على دولة إسرائيل، وهي تدعم التجديد التدريجي لدخول عمال فلسطينيين للعمل في إسرائيل. مع ذلك ورغم تزايد عدد العمال الذين يدخلون مضطرين بدون تصريح، ورغم الحاجة الإسرائيلية لهؤلاء العمال، لا يوجد الآن أي تغيير في سياسة الحكومة بهذا الشأن.
وفق ما جاء من منظمة "مقاتلون من أجل السلام"، هذا الحظر الجارف للدخول يمنع حتى دخول فلسطينيين يعملون لدى منظمات مجتمع مدني، إمّا بمنظمات فلسطينية أو بمنظمات مشتركة، فيضر بقدرة هذه التنظيمات على القيام بالأنشطة واللقاءات بين النشطاء وأبناء الشبيبة من الإسرائيليين والفلسطينيين، الأمر الذي يعاظم الفصل والخوف والكراهية.
كذلك فإنّ دخول الأجانب، أي من ليسوا إسرائيليين أو فلسطينيين سكان الضفة، إلى مناطق الضفة الغربية مقيّد بشدة. كانت إسرائيل وقبل الحرب قد بدأت تطبّق لفترة تجريبية، إجراءً يقيد بشكل حاد دخول الأجانب إلى الضفة الغربية ومكوثهم فيها، خاصة الأزواج الأجانب وأفراد أسرة آخرون. في تشرين الأول أكتوبر 2024، أعلنت الدولة أن هذا الإجراء سيصبح دائماً. وعلى الرغم من الإلتماس الذي قدمه بهذا الشأن "مركز الدفاع عن الفرد" بأسم عدد من العائلات الفلسطينية، في أيلول سبتمبر 2025، أبقت المحكمة العليا الإجراء على حاله. وقد صرحت الدولة في الجلسة أن العمل جارٍ لدى القيادة العامة على تغيير الإجراء.

