سياسة الضم وتغيير أسلوب السيطرة
- acri-rights
- Nov 26
- 10 min read
Updated: Dec 3
أشكال الإساءة الخطيرة لحقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية والتي سنشرحها بهذا الفصل، تنبع أو تتوافق مباشرة مع سياسة الحكومة الإسرائيلية القاضية بتوسيع وتعميق سيطرتها على الضفة.
منذ إنشاء الحكومة ال 37 وبزخم أكبر في ظل الحرب، يحدث في الضفة الغربية تغيير هيكلي بعيد المدى. فبواسطة مجموعة من الخطوات البيروقراطية ونقل صلاحيات واسعة من الجيش (المؤتمن على إدارة حياة السكان من خلال الإدارة المدنية) إلى جهات مدنية تسيطر عليها الحكومة بشكل مباشر. غيرت هذه الخطوات وتغيّر طبيعة الحكم من كونه إطاراً قضائياً للإحتلال العسكري، من المفروض أن يعمل ضمن محدوديات القوانين الدولية الخاصة بالإحتلال، ليصبح نظام ضم فعلي مرتبطاً بالمصالح السياسية للحكومة الإسرائيلية. في موازاة ذلك، تتفاقم مظاهر نظام الفصل العنصري، الذي يمنح الحصانات والإمتيازات للمستوطنين ويدوس على حقوق السكان المحميين في الأراضي المحتلة. في وقت كتابة هذا التقرير، من الصعب التنبؤ بما إذا كانت تصريحات الحكومة بشأن الفرض الرسمي للسيادة الإسرائيلية سوف تُحذف من جدول الأعمال في الوقت الراهن. مع ذلك من المهم التشديد على أنه من ناحية الترتيبات الهيكلية والقضائية ومن ناحية ما يجري على الأرض، فإنّ مناطق C في الضفة الغربية قد تم ضمّها فعلياً وبشكل عملي، حتى بدون قرار رسمي بفرض السيادة.
بتسلئيل سموتريتش، بمنصبه كوزير في وزارة الأمن، ركّز بمسؤوليته صلاحيات واسعة تتعلق بإدارة الحياة المدنية في الضفة الغربية. بواسطة هذه الصلاحيات التي سلمها لنفسه، يكون سموتريتش هو فعلياً الوزير المسؤول عن ضم الضفة الغربية، وهو يُحدث تغييرات هيكلية وقضائية وبيروقراطية، الهدف منها توسيع السيطرة الإسرائيلية وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة. تعمل تحت إشرافه "مديرية الإستيطان": التي أقامها، وهي هيئة حكومية جديدة داخل وزارة الأمن تتحكم بمعظم مناحي الحياة المدنية في الضفة الغربية، وبذلك هو يُفرّغ مضمون مسؤولية الإدارة المدنية. كما وتم تعيين شخص مدني لمنصب نائب رئيس الإدارة المدنية. هذا النائب لا يخضع للضابط الأكبر الذي يعمل كرئيس للإدارة المدنية إنما مباشرة للوزير سموتريتش. يشكّل إضعاف الإدارة المدنية ونقل صلاحياتها إلى جهات مدنية مرحلة بينية في الطريق إلى تفكيكها بشكل تام. في أيلول سبتمبر 2024، قامت منظمة "ييش دين" وجمعية حقوق المواطن بتقديم التماس ضد التعيين وتفويض الصلاحيات المرافقة له. على أثر الإلتماس أعلنت الدولة في تموز يوليو 2025 عن تقليص ما في الصلاحيات الواسعة التي أُعطيت للوزير نفسه، إلاّ أن هذا ليس كافياً من أجل إيقاف العملية الخطيرة نحو فرض حكم مدني أجنبي على الضفة. أمّا الإلتماس فما زال معلّقاً على حاله.
في المقابل، عملت الحكومة على إضعاف المستشار القضائي العسكري (المستشار القضائي لأراضي يهودا والسامرة)، عن طريق نقل صلاحياته إلى المستشار القضائي في وزارة الأمن، وهو ليس جزءاً من الجيش. هدفت هذه الخطوة أيضاً إلى تغيير الإطار القانوني الذي بواسطته تسيطر إسرائيل على الضفة، ونقلها من السيطرة العسكرية المؤقتة إلى السيطرة المدنية الدائمة.
في تموز يوليو 2025، صوت الكنيست بأغلبية كبيرة مع الإعلان الداعي إلى فرض السيادة على الضفة الغربية. لا يوجد عواقب عملية للإعلان، لكنه بمثابة إعلان نوايا هام جداً للكنيست في إسرائيل ويعكس نِسب الدعم العالية لهذا التحرك في صفوف أعضاء الكنيست (دعمه 71 نائباً وعارضه 13 فقط).
كما وتعمل الحكومة بأشكال مختلفة، سنفصّلها لاحقاً، بغية توسيع وتعزيز الحضور اليهودي في الضفة الغربية. الإعلان عن إنشاء 22 مستوطنة جديدة، بمجموع 49 مستوطنة منذ تشكيلها، من بينها تأهيل البؤر الإستيطانية القائمة وإقامة بلدات جديدة؛ عملية تنظيم وضعية 63 بؤرة استيطانية غير مرخصة أقيمت خلافاً للقانون وربطها بالبنى التحتية، ما يتيح مأسستها وتوسيعها؛ سن قوانين تهدف إلى تسهيل قيام المستوطنين بشراء الأراضي في المناطق المحتلة؛ إزالة العوائق وتسريع عملية المصادقة على خطط البناء، توسيع وتطوير المستوطنات؛ البناء المتسارع عملياً في المستوطنات؛ خاصة تطوير البنى التحتية لشوارع تخدم المستوطنين؛ تحويل ميزانيات ضخمة لصالح المشروع الإستيطاني؛ وقرار الكابينت في أيار مايو من هذا العام بتجديد تنظيم الأراضي في الضفة – كلّ ذلك يشكّل انتهاكاً لمجموعة كبيرة من تعاليم القانون الدولي.
هذه التغييرات الهيكلية، إلى جانب خطوات أخرى قامت بها الحكومة، محسوسة جيداً في مناطق الضفة الغربية وتلحق الأذى الخطير بحقوق السكان الفلسطينيين، بروتينهم اليومي، بمستقبلهم وبأمنهم.
للتوسع حول الموضوع، راجعوا:
قاعدة بيانات قوانين الضم في موقع منظمة "ييش دين"
الإنقلاب الهادئ: تغيير طبيعة السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، تموز 2024 - تقرير مشترك لجمعية حقوق المواطن، "كسر الصمت"، "أوفك" و"ييش دين"
إنشاء البؤر الإستيطانية غير الشرعية وتأهيلها
في السنتين الأخيرتين، أنشأ مواطنون إسرائيليون عشرات البؤر الإستيطانية الجديدة بمناطق مأهولة يسكنها فلسطينيون، بدون تصديق من الحكومة لكن فعلياً بدعمها، وذلك بهدف الإستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية وتوسيع السيطرة اليهودية عليها. بحسب معطيات "شالوم عخشاف"، أقيمت سنة 2023، 32 بؤرة إستيطانية جديدة، وفي سنة 2024، أقيمت على الأقل 61 بؤرة جديدة، ولغاية أيلول سبتمبر 2025، أقيمت 68 بؤرة إضافية، والعد مستمر. أيضاً وفق بيانات الجيش، منذ اندلاع الحرب، إزداد عدد هذه البؤر أربعة أضعاف – من 30 بؤرة قبل تشرين الأول أكتوبر 2023 إلى حوالي 120 في تموز يوليو 2025.
بحسب تقرير "شالوم عخشاف" و"كرم نابوت"، صحيح لنهاية سنة 2024، امتدت البؤر الإستيطانية بهيئة مَزارع على نحو 786،000 دونم – وهي 14% من مساحة الضفة الغربية. 35% من مجمل المساحات هو بملكية فلسطينية خاصة. غالبية البؤر مقامة في مناطق C، إلاّ أنه وفي سنة 2024 بدأ المستوطنون بإقامة بؤر إستيطانية أيضاً في مناطق B.
غالباً ما ترتبط إقامة البؤر بشق الطرق الجديدة، بعضها على أرض فلسطينية خاصة، وبتسييج مساحات مفتوحة يمنع سكان المنطقة الفلسطينيين من الوصول إليها. على الرغم من عدم شرعيتها، إلاّ أن هذه الأعمال وفي أحيان كثيرة، تحصل بمرافقة الجيش وبدون تطبيق حقيقي للقانون من قبل جهات الإنفاذ. في الكثير من الحالات، يستولي المستوطنون في البؤرة على مساحات كبيرة عن طريق بناء مبانٍ غير قانونية، رعي قطعان الماشية في مناطق شاسعة، الإستيلاء على مصادر المياه وبالعنف الممارس على المجتمعات السكانية المحلية.
غالبية الميزانيات المحولة للبؤر لا يتم تخصيصها بشفافية، ومع ذلك، هنالك أدلة وفيرة على الدعم الإقتصادي الذي تتلقاه البؤر الاستيطانية بأشكال مختلفة من جانب الوزارات الحكومية والهيئات المساندة، الجمعيات المموَّلة والهستدروت الصهيونية، صندوق أراضي إسرائيل وغيرها.
من بين ال 22 مستوطنة جديدة التي أقرها الكابينت في أيار مايو 2025، منها 12 بؤر غير مرخصة أقيمت في السنوات الأخيرة وسيتم تأهيلها. في نيسان أبريل 2024، أمر الوزير سموتريتش بمنح الخدمات المدنية ل 68 بؤرة غير مرخصة ثم وصلها بالبنى التحتية – منها ما هو في طور التنظيم والتحول لمستوطنة رسمية، وأخرى ليس لها أفق قانوني يسمح بالتنظيم.
توسيع المشروع الإستيطاني: أراضي الدولة، خطط البناء والبنى التحتية
بحسب معطيات "شالوم عخشاف"، في سنة 2024، أعلنت الحكومة عن 24،258 دونم كأراضي دولة، وفي المجموع الكلي منذ تشكيل الحكومة الحالية، أُعلن عن نحو 25،959 دونم كأراضي دولة (وهي تشكّل حوالي نصف مجموع المساحات التي أُعلن عنها كأراضي دولة منذ اتفاقية أوسلو). في المرحلة الأولى، يعني الأمر أن هذه الأراضي لا يمكن استخدامها لأغراض خاصة، لأن أراضي الدولة كان من المفروض أن تخدم عموم السكان لأغراض عامة. لكن تجربة الماضي تعلّمنا أنه في نهاية المطاف ستخصص غالبيتها التامة تقريباً لصالح المشروع الإستيطاني.
كما وأنه في سنة 2024 جرى إصدار تصاريح لبناء 1،165 وحدة سكنية في المستوطنات. وذلك مقابل 3 تصاريح فقط أُعطيت للفلسطينيين، من بين 1،111 طلب تصريح قدمه الفلسطينيون الذين يعيشون في مناطقC ، ذلك بحسب معطيات الإدارة المدنية المقدمة لمنظمة "بمكوم – التخطيط وحقوق الإنسان".
بمرور عشرين سنة على إعدادها وبعد أربع سنوات على التجميد، صادق المجلس الأعلى للتخطيط في الإدارة المدنية، على أولى خطتي بناء هما مثار خلاف، في المنطقة المسماة E1، وتشملان أكثر من 3،400 وحدة سكنية جديدة، ستقطع شمال الضفة الغربية عن جنوبها ويفصلونها عن القدس الشرقية. في المقابل، نشرت سلطة أراضي إسرائيل مناقصات لبناء 3،300 وحدة سكنية أخرى جنوب المنطقة E1، تصل "معاليه أدوميم" بالمنطقة الصناعية "ميشور أدوميم". يشكّل البناء الإسرائيلي في المنطقةE1 عملية قمع وتهجير للفلسطينيين من الحيّز وخلق تسلسل إستيطاني من مركز الضفة حتى القدس، الأمر الذي سيصعّب كثيراً في المستقبل فرصة تحقيق حل الدولتين، وفعلاً هذا هو أحد الدوافع السياسية وراء المصادقة على الخطة. في تشرين الأول أكتوبر 2025، تم تقديم إلتماسات لإلغاء الخطة من قبل مجموعات سكانية فلسطينية تعيش في المنطقة ومن قبل المنظمات "عير عميم"، "بمكوم – التخطيط وحقوق الإنسان" و"شالوم عخشاف".
وكخطوة مكملة ضرورية لتعزيز المشروع الإستيطاني، تستثمر وزارة المواصلات ميزانيات ضخمة في تطوير مشاريع واسعة جداً بغية شق شوارع وتطوير البنى التحتية للمواصلات في الضفة الغربية، وهي وسيلة أخرى لإحكام السيطرة الإسرائيلية على الضفة وتحسين جودة الحياة بهدف جذب المزيد من الإسرائيليين للإستيطان في الضفة. يجري شق العديد من الطرق الجديدة على أنها "شوارع إلتفافية" – مصطلح مغسول لطرق تهدف إلى خدمة احتياجات المستوطنين فقط. منظومات الشوارع هذه تعمق عدم المساواة ما بين المستوطنين والفلسطينيين سكان الضفة، وتجزء الفضاءات الفلسطينية داخلها. إلى جانب تطوير البنى التحتية للمواصلات من قبل الدولة، يشق المستوطنون الشوارع والطرق بالقرصنة دون تصاريح، بعضها على أرض خاصة يملكها الفلسطينيون.
التخطيط، البناء وهدم البيوت
قرب وقت تقاعده من منصب قائد القيادة الوسطى، أشار اللواء يهودا فوكس إلى أنه رغم زيادة عدد المباني غير القانونية التي يقيمها المستوطنون في الضفة الغربية، تمارَس سياسة تمييز في الإنفاذ المتزايد للقانون بالنسبة للبناء الفلسطيني وعدم إنفاذه بالنسبة للبناء من قبل اليهود، وحذّر من أن هذا التمييز في الإنفاذ قد يخلق مخاطر أمنية.
تشير معاينة معطيات الإدارة المدنية، وفق تحليلها من قبل منظمة "بمكوم"، إلى وجود زيادة هائلة في تخطيط البناء للمستوطنات مقابل نقص تام في التخطيط للسكان الفلسطينيين. بين السنوات 2021-2024، جرت المصادقة على خطة واحدة فقط لتنظيم قرية فلسطينية فيها حوالي 170 وحدة سكنية، وكذلك عدد قليل من الخطط الموضعية لبضع وحدات من السكن. مقابل ذلك، صودق بنفس الفترة على خطط لبناء 10،945 وحدة سكنية في المستوطنات. كما وتم في هذه السنوات تقديم حوالي 5،070 طلب تصريح للبناء من قبل الفلسطينيين – وهذه زيادة كبيرة جداً في عدد الطلبات التي قُدمت بفترات سابقة – لكن جرت المصادقة على 22 فقط منها، أي أقل من نصف نسبة مئوية واحدة. بالفترة ذاتها، أُعطيت تصاريح لبناء 9،385 وحدة سكنية في المستوطنات.
السياسة ذاتها التي تشجع البناء اليهودي وتمنع البناء الفلسطيني، قائمة أيضاً في مجال هدم المباني التي بُنيت بدون تصاريح قانونية. في العام 2024، تم إصدار 946 أمر هدم لمبانٍ فلسطينية بسبب البناء غير القانوني، وجرى تنفيذ 862 عملية هدم، أي بنسبة 91%، مقابل 280 أمر هدم صدرت بحق المباني في المستوطنات والبؤر الإستيطانية، بينما جرى تنفيذ 39 عملية هدم فقط، أي بنسبة 14% لا غير.
هذه التوجهات تتلاءم مع السياسة المعلنة للحكومة الإسرائيلية لإسكان اليهود في الضفة بينما يتم حشر الفلسطينيين في حيّز آخذ بالتقلص.
لقراءة أوسع حول الموضوع، راجعوا تحليل منظمة "بمكوم - التخطيط وحقوق الإنسان": التخطيط، البناء وهدم البيوت: تعاظم الأبرتهايد التخطيطي في الضفة الغربية – معطيات 2021-2024.
الإستيلاء على صلاحيات الهدم داخل حدود المنطقة B، "المحمية المتفق عليها"
تتطلع حكومة إسرائيل إلى توسيع صلاحيات إنفاذ القانون على البناء غير القانوني أيضاً في المنطقتين A و B، حيث لا يوجد لإسرائيل صلاحيات تخطيط فيهما.
بتاريخ 18.7.2024، وقّع القائد العسكري في الضفة على منشور ينزع من السلطة الفلسطينية صلاحياتها في مجال التخطيط والبناء ضمن حدود المنطقة المسماة "المحمية المتفق عليها"، رغم وقوعها في مناطق B. تبلغ مساحة المنطقة حوالي 167،000 دنم أو حوالي 3% من مساحة الضفة الغربية، وبحسب اتفاقيات أوسلو، تكون صلاحيات التخطيط والبناء فيها بيد السلطة الفلسطينية، علماً أن السلطة ملزمة بعدم التصديق على البناء في هذه المنطقة. في اليوم ذاته، جرى التوقيع أيضاً على أمر تقييد البناء، والذي يعلن عن كل بناء ضمن حدود المحمية بعد 23.10.1998 (يوم التوقيع على اتفاقية واي التي على أثرها وُجدت المحمية المتفق عليها) غير قانوني. كما ينص الأمر الصادر على إجراءات التعامل مع البناء غير القانوني وعلى شروط المصادقة على بناء جديد. بعد وقت قصير من ذلك، بدأت الإدارة المدنية بإصدار أوامر هدم، وفي كانون الأول ديسمبر 2024، بدأت بالهدم الفعلي للمباني ضمن حدود المحمية المتفق عليها. في نيسان أبريل 2025، قُدم للمحكمة العليا إلتماس ضد هذه الأوامر (ملف محكمة عليا رقم 33808-04-25). عبر أمر بينيّ، أمرت المحكمة بتجميد إصدار أوامر هدم جديدة وتجميد تنفيذ أوامر الهدم القائمة ضمن حدود المحمية المتفق عليها، لكن حتى الآن لم يتم حسم الإلتماس. في بداية آب أغسطس، قدمت الدولة موقفها وطلبت إلغاء الأمر البينيّ، لكن حالياً بقي الأمر على حاله إلى حين مناقشة الإلتماس. رغم ذالك في هذه الأثناء، أُصدر في أوائل أيلول سبتمبر 2025، أمر هدم لمدرسة الزويدين داخل حدود المحمية.
بموازاة هذه السياسة، وعلى وجه الخصوص منذ اندلاع الحرب في غزة، أقيم في المنطقة عدد من البؤر الإستيطانية، وازداد عنف المستوطنين نحو الفلسطينيين الذين يعيشون فيها.
تجديد تنظيم الأراضي وسحب الصلاحية ليد إسرائيل
لقد تم تجميد تنظيم تسجيل الأراضي (أي التسجيل الرسمي والنهائي للحق على أرض بالطابو) في الضفة الغربية، وذلك بأمر من الحاكم العسكري الإسرائيلي سنة 1968. منذ ذلك الوقت، لا يجري تسجيل رسمي كامل، إنما تقام بدائل جزئية كالتسجيل الداخلي لدى الإدارة المدنية. في أيار مايو 2025، قرر الكابينت السياسي الأمني تجديد تنظيم الأراضي وإلقاء صلاحيات التسجيل على قائد قوات الجيش. يُعتبر تنظيم الأراضي عملاً يميز الحكم الدائم والسيادي وليس الحكم المؤقت، المطلوب منه بموجب القانون الدولي أن يعمل كوصي فقط ومن أجل مصالح المجموعة السكانية المحلية. هذا يعني – أن القرار بحد ذاته، وكذلك تطبيقه في المستقبل، هما عمل سيادي واضح جداً يعارض تعليمات القضاء الدولي، خاصة حظر الضم ومبدأ المؤقتية.
تدل تجربة الماضي والحاضر، وكذلك التصريحات الواضحة للوزيرين المؤتمنين على الموضوع، سموتريتش وكاتس، بشأن القرار، على أن هذا عمل آخر هام جداً لتوسيع ومأسسة المشروع الإستيطاني، فرض السيادة الإسرائيلية، وكما ما يبدو لإتاحة السيطرة على أراضٍ لم يكن بالمقدور حتى الآن الإعلان عنها أراضي دولة. من المتوقع أن يُستخدم تطبيق القرار كأداة إضافية في حشر ونهب الفلسطينيين أصحاب الصلة بالأراضي والمس في حقهم بالملكية. إنّ تنفيذ التنظيم سيعمق التمييز الممأسس في الضفة، نتيجة خلق آلية تفضّل بشكل واضح تسجيل وتخصيص الأراضي لصالح تعزيز المشروع الإستيطاني على حساب سكان الضفة الفلسطينيين. في أيلول سبتمبر 2025، قدّمت المنظمات "ييش دين"، "بمكوم"، جمعية حقوق المواطن ومركز الدفاع عن الفرد، إلتماساً إلى المحكمة العليا مطالبة بإلغاء قرار الكابينت هذا.
علم الآثار كوسيلة سيطرة وضم
جرى في اخر سنتين الإستخدام المتزايد لتنظيم وإدارة المواقع الأثرية كأداة للمس بحقوق المجتمعات الفلسطينية ولتعزيز نزع السلاح وسيطرة إسرائيل على مناطق C، بل حتى انزلاق الصلاحيات لتطال المنطقة B. وذلك خلافاً للقانون الدولي واتفاقيات أوسلو.
في تموز يوليو 2024، قرر الكابينت السياسي الأمني منح الإدارة المدنية صلاحيات معيّنة بخصوص المواقع الأثرية في مناطق B بالضفة الغربية. كذلك ومثلما هي السياسة العامة للحكومة التي شرحناها أعلاه، والتي تشمل نقل صلاحيات من الإدارة المدنية إلى هيئات مدنية خاضعة للحكومة، يجري في الكنيست العمل على مشروع قانون يسعى لنقل صلاحية إدارة ومراقبة المواقع الأثرية في مناطق C من الإدارة المدنية إلى هيئة خاضعة لمراقبة الحكومة. ولأن سلطة الآثار عارضت هذه الخطوة ورفضت مسبقاً تحمّل هذه المسؤولية، تتم الآن مناقشة إمكانية إقامة هيئة مخصصة لهذه الغاية، "الإدارة الآثارية". كما ويسعى داعمو مشروع القانون أيضاً إلى إخضاع مواقع أثرية في مناطق A و B لهذه الهيئة المستقبلية. كما ذكرنا سابقاً، يتعارض قرار الكابينت، وكذلك مشروع القانون، مع القانون الدولي.
بالإضافة لذلك، هناك وسيلة عملية جرى استخدامها من قَبل وبشكل واسع بغية السيطرة على المواقع، وتدريجياً أيضاً، على محيطها والطرق المؤدية إليها، هي إصدار أمر الإعلان عن موقع أثري. في صيف 2025، جرى توزيع 60 أمراً من هذا النوع على يد الإدارة المدنية، غالبيتها في شمال الضفة ضمن منطقة نابلس. تشير منظمة "عمق شبيه-عيمك شافيه" إلى مخاوف بأن تكون هذه الأوامر السارية على مواقع تحيط بمدينة نابلس من كل الإتجاهات، هي خطوة أولى في أعمال تطوير مستقبلية تؤدي إلى فصل نابلس عن محيطها. تنضم هذه الخطوة إلى المنحى المقلق في السنوات الأخيرة، حيث تم اتخاذ قرارات بتطوير مواقع أثرية في أماكن مثل سبسطية والخليل بشكل الذي في نهاية المطاف يمنع وصول المجتمعات السكانية الفلسطينية التي تعيش بجوار المواقع إلى محيط سكناها وإلى أراضيها. ليس ذلك فحسب، ففي كثير من المواقع يتم عرض الموروث اليهودي فقط، بتجاهل تام لآلاف السنوات من التاريخ ولوجود مجموعات عرقية أخرى في المنطقة.
كما ذكر سابقاً، في كثير من الحالات تكون الإعلانات عن مواقع أثرية داخل الفضاءات المعيشية لتجمعات الرعاة، وتستخدم كأداة إضافية لمنع التخطيط والتطوير لصالح هذه التجمعات، بل أحياناً لطردها من هناك. أهالي زَنَّوتة الواقعة جنوب جبل الخليل، مثال واحد على هذه الممارسة. إذ رفضت الإدارة المدنية الإعتراف بالتجمع السكاني في مكان إقامته، بحجة أنه موقع أثري. على أثر عدم الإعتراف المترافق مع عنف المستوطنين، جرى طرد التجمع السكاني من مكانه عدة مرات وتم تخريب بيوته، لكن وفي أعقاب تقديم التماس للمحكمة العليا، ألزمت المحكمة السلطات بأن تتيح عودة التجمع السكاني إلى مكانه وتقديم خطة لهذه القرية. تم رفض الخطة المقدمة بدون أي تعليل موضوعي، حتى بعد أن اقترح السكان نقل عموم البيوت السكنية القائمة إلى خارج نطاق الموقع الأثري. ضد قرار رفض الخطة، قدّم السكان في أيلول سبتمبر 2025 إلتماساً آخر بمساعدة جمعية "بمكوم – التخطيط وحقوق الإنسان" و"حكال – حلف الدفاع عن حقوق الإنسان"، وتم الحصول على أمر مؤقت يمنع اعمال لا رجعة منها في الحقل.
هذه التوجهات لم تَخفَ عن أعين المجتمع الدولي وتم شجبها بشدة في تقرير اللجنة المستقلة للأمم المتحدة بأيار مايو 2025، الذي خُصص للممارسات التي تطال المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية في المناطق المحتلة.
لقراءة أوسع حول الموضوع، راجعوا:
"عمق شبيه-عيمك شافيه"، ورقة موقف بخصوص مشروع قانون: سلطة الآثار ستعمل في الضفة الغربية
"عمق شبيه-عيمك شافيه"، ورقة موقف بخصوص قرار الكابينت السياسي الأمني الذي يتيح إنفاذ القانون ضد تدمير المواقع التراثية في مناطق B
"عمق شبيه-عيمك شافيه"، ورقة موقف بخصوص الخطة لإنقاذ، المحافظة على، تطوير ومنع سرقة وتدمير الآثار في المواقع التراثية بمنطقة يهودا والسامرة وغور الأردن
رد "عمق شبيه-عيمك شافيه" على تقرير الأمم المتحدة: Destruction, Appropriation, and Displacement

