جهاز الصحة
- acri-rights
- Nov 23
- 5 min read
Updated: Dec 3
منذ بداية الحرب، شكّل التسبب بإنهيار جهاز الصحة عاملاً مركزياً في تدهور قطاع غزة نحو أزمة إنسانية غير مسبوقة. وقد اشتدت الكارثة الصحية بالقطاع أكثر فأكثر في السنة الثانية للحرب، في ظل الغارات التفجيرية على المستشفيات وإصابة الطواقم الطبية وخدمات الطوارئ. كذلك، أدت التقييدات الشديدة التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية إلى نقص حاد في الأدوية، في المعدّات والأجهزة الطبية وفي الوقود.
معطيات
بحسب معطيات الأمم المتحدة، حتى تاريخ 5 تشرين الأول أكتوبر 2025، لا يوجد أي مستشفى يعمل في شمال القطاع. في بقية مناطق القطاع 39% فقط (14 من أصل 36) من المستشفيات يعمل، وكلّها بشكل جزئي وبمعدلات إشغال عالية للغاية. على سبيل المثال، تم التبليغ في آب أغسطس 2025 عن إشغال بنسبة 300% في مستشفى الشفاء. 63% (10 من أصل 16) من المستشفيات الميدانية تعمل هي أيضاً بشكل جزئي، و35% فقط (62 من أصل 169) من العيادات يعمل، كلّها بشكل جزئي. بالتوازي وصحيح لذلك التاريخ، تلقّى عموم سكان غزة الخدمة فقط من 30 طاقم طب طوارئ، دوليين ومحليين.
ما يزيد عن 15،600 من مرضى الحالات الحرجة، بينهم 3،800 طفل، يحتاجون الإجلاء الطبي إلى الخارج، لكن من بداية 2025 ولغاية 29 أيلول سبتمبر، جرى إجلاء 2،405 فقط من المرضى والمصابين.
كما وغير متوقع أن إنهاء القتال في القطاع سيوقف معدل الوفيات والتراجع الكبير الذي بدأ بالفعل في متوسط العمر المتوقع. إذ يُتوقع من الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنى التحتية الصحية، إلى جانب المجاعة الجماعية وانتشار الأمراض، ومنها الأمراض المُعدية، وانهيار المنظومة العلاجية، أن تواصل حصدها الأرواح لسنوات طويلة قادمة. كما من المتوقع إستمرار الوفيات بمعدلات عالية نتيجة أمراض كان يمكن علاجها في ظروف أخرى، كبعض أنواع السرطان، أمراض القلب، أمراض الكلى والسكري. أمّا العواقب النفسية للحرب فمن المتوقع أن يدوم صداها لأجيال وأجيال قادمة، من خلال إلحاق الضرر بالأداء الوظيفي ونوعية حياة الأفراد والأسر والمجتمعات.
إعادة تأهيل النظام الصحي في القطاع، حتى لو بدأت حالاً، من المتوقع أن تستمر لسنوات طويلة، وسيتمكن السكان خلالها من الوصول المحدود فقط للخدمات الطبية.
أثناء وقف القتال، عانت المرافق الطبية في القطاع من نقص حاد بالأدوية والمعدّات، خاصة العناصر الأساسية مثل الإبر والمطهرات. في المرحلة الأولية وبحسب مواد القانون الدولي، إسرائيل ملزمة بإتاحة الدخول المنتظم وبالكميات المطلوبة للمعدّات الطبية ومخزون الأدوية المطلوبة من أجل سد احتياجات السكان الأساسية، وإتاحة الحركة والقدرة على الوصول للخدمات الطبية.
الإستهداف المباشر لنظام الرعاية الصحية وللطواقم الطبية
إن تدمير وتعطيل عمل نظام الرعاية الصحية في غزة ليسا مجرد نتيجة عرضية أو ضرر ثانوي للحرب، بل هما نتاج نشاط متواصل ومتعدد الوسائل: الهجمات المباشرة على المستشفيات، التوغلات العسكرية في المرافق الطبية، الإعتقالات وقتل الموظفين، منع إمدادات الوقود والأدوية والمعدّات الطبية، وتعطيل آليات إجلاء المرضى ونقلهم لتلقي العلاج. أصابت العواقب الفئات السكانية الأكثر ضعفًا في البداية - الأطفال ومرضى السرطان الذين تُركوا دون علاج، النساء الحوامل والمواليد الجدد، لكن الضرر المستمر امتد إلى جميع السكان. انتشرت الأمراض المعدية بسبب نقص المياه النظيفة وسوء الصرف الصحي، والبقاء بدون أي استجابة طبية. إنهيار نظام الرعاية الصحية والتسبب بشلل الخدمات الحيوية كالمياه والصرف الصحي والمأوى، يخلق جميعها حلقة من الدمار المتبادل ما بين الأمراض التلوثية المُعدية وسوء التغذية، بينما المستشفيات الموجودة غير قادرة على التعامل مع حجم الإحتياجات.
إنّ الضرر اللاحق بنظام الرعاية الصحية في غزة يشكّل خرقاً شديداً ومنهجياً للحق بالصحة، وبمفاهيم عديدة أخرى، أيضاً الحق بالحياة، خاصة عندما يضاف للأضرار الأخرى الخطيرة والمستمرة التي أصابت الظروف المعيشية في غزة، وبشكل خاص تدمير البنى التحتية للمياه والكهرباء والسكن، وكذلك تجويع السكان عن طريق وقف الإمدادات الغذائية. إنّ الظروف الحياتية التي فُرضت على سكان غزة طيلة سنوات الحرب تطرح المخاوف من ارتكاب جينوسايد.
لا يمكن الفصل بين تدمير نظام الرعاية الصحية في القطاع وبين الإضرار المنهجي المتعمد في الطواقم الطبية، خاصة القتل والإعتقال والطرد. منذ تشرين الأول أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 1،580 عاملاً وعاملة في المجال الطبي، بمن فيهم كبار الأطباء والطبيبات في القطاع وكذلك مدراء ومديرات المستشفيات. كما وتعرض المجتمع الصحي الغزاوي للإعتقالات المنهجية والتنكيل وإلغاء الشرعية. خلال الهجمات على غزة، أُعتقل أكثر من 300 عامل في المجال الطبي دون أن تُقدّم ضدهم لوائح اتهام، وقد عانوا من التحقير وأصناف التعذيب. بحسب معطيات منظمة أطباء لحقوق الإنسان، ما زال اكثر من مئة منهم معتقلون. تؤدي هذه الممارسات إلى تقليل القوى العاملة الطبية في القطاع، إنهيار نظام الرعاية الصحية اليوم وإصابة بالغة لقدرته على التعافي في المستقبل.
لقراءة أعمق، راجعوا:
أطباء لحقوق الإنسان، إبادة الظروف المعيشية: تحليل الأبعاد الصحية للجينوسايد في قطاع غزة.
أطباء لحقوق الإنسان، تعذيب طواقم طبية من غزة في إسرائيل – تقرير وشهادات.
عواقب التهجير من مدينة غزة
إبتداءً من آب أغسطس 2025، اتخذت إسرائيل خطوات تمهد للسيطرة البرية على مدينة غزة، حيث يتواجد معظم المستشفيات التي ما زالت تعمل بشكل جزئي. طولب سكان المدينة، خاصة المستشفيات والمقيمون فيها، بإخلاء المدينة – وهو مطلب ليس مجرد خطوة خطيرة في توسيع التهجير الجماعي للسكان الغزيين، بل إنّه غير عملي، وكانت ستسبب بالفعل موت المرضى والجرحى، الأمر الذي حدث سابقاً في مناطق أخرى من القطاع.
فعلياً، تضرر وتعطل عدد من المستشفيات في المدينة، إلاّ أن وقف القتال قد منع في نهاية المطاف، ضرورة الإخلاء الكامل للمستشفيات. مع ذلك، تُرك آخر مستشفيات المدينة – الشفاء والقدس والأهلي – على حافة الإنهيار فاضطرت للعمل ضمن حالة النقص الشديد بالأدوية والمعدّات والوقود لتشغيل الحاضنات، وأجهزة التنفس وسيارات الإسعاف.
عنف التكاثر
منذ تشرين الأول أكتوبر 2023، أصبحت الأمومة في غزة خطراً على الحياة. خلال سنتي الحرب، وأيضاً في واقع وقف القتال، تُضطر النساء والرضّع للنجاة من ظروف سوء التغذية، نقص المياه النظيفة وغياب أدنى شروط النظافة الشخصية، الأمر الذي يزيد مخاطر الولادات المبكرة، موت الأمهات والرضّع والإصابة بأمراض مُعدية.
لقد أدى انهيار أقسام الطب النسائي والوالدات وأقسام طب المواليد الجدد والخدّج، وكذلك النقص الحاد بالأدوية والوقود، منع الإجلاء الطبي داخل القطاع ومنه، إلى أن تلد نساء كثيرات بدون طاقم طبي أو بدون أي ظروف صحية. بحسب معطيات الصندوق السكاني لدى الأمم المتحدة، تم في النصف الأول من 2025 فقط تسجيل هبوط بنسبة 41% في عدد الولادات مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2022، علماً أن 30% من الرضّع قد وُلدوا ولادة مبكرة ومع نقص في الوزن، أو أنهم احتاجوا البقاء في المستشفى بأقسام العناية المركزة لحديثي الولادة. امّا الأقسام التي كانت تعمل آنذاك، فعملت فقط بسعة 30% نتيجة النقص الحاد في المعدّات والأدوية. منظمة Doctors of the World، تبلّغ أنه حتى لآب أغسطس 2025، 85% من النساء الحوامل اللواتي جرى فحصهن من قبل طواقمها الطبية، كنّ بخطر حصول تعقيدات، وأنّ 35% من النساء الحوامل أو المرضعات اللواتي تم فحصهن عانين سوء التغذية.
يتبين من الشهادات التي جمعتها منظمة أطباء لحقوق الإنسان أن النساء تلدن في ظروف نزوح مستمر، في الخيام وفي معسكرات مكتظة، وعلى الأغلب معزولات عن الدعم الطبي والدعم العائلي وبدون معدّات أساسية، كالحفاضات لمواليدهن الجدد. كذلك في المستشفيات أيضاً حيث تلد النساء أحياناً بدون أدوات معقمة أو بدون دعم دوائي.
لقراءة تقرير منظمة أطباء لحقوق الإنسان عند نشره في موقع المنظمة – أمومة تحت النار، تشرين الثاني 2025.
منع الإجلاء الطبي إلى خارج القطاع
بالنسبة للكثير من المرضى والجرحى، يُعتبر الإجلاء لتلقي العلاج الطبي خارج قطاع غزة وسيلة منقذة للحياة. في نهاية أيلول سبتمبر 2025، بلّغت منظمة الصحة العالمية عن وجود حوالي 15،600 غزيّ، غالبيتهم أطفال، يحتاجون العلاج الطبي الحرج غير الموجود في القطاع وينتظرون الإجلاء، لكن فعلياً عدد الذين يتم إجلاؤهم صغير جداً. من بداية الحرب وحتى نهاية أيلول سبتمبر 2025، تم إجلاء 7،841 فقط من المرضى والجرحى.
قبل الحرب، الغالبية الساحقة من المرضى الغزيين الذين احتاجوا العلاج خارج القطاع، توجهوا إلى مستشفيات الضفة الغربية وإسرائيل، إلاّ أن هذه الإمكانية قد سدّتها إسرائيل منذ اندلاع الحرب. بل إن إسرائيل تشترط التنسيق مع دول ثالثة لإجلاء المرضى، وأن توافق هذه الدول على قبول المرضى ومرافقيهم. مع وقف القتال، تأمل منظمة الصحة العالمية زيادة وتيرة الإجلاء إلى خمسين مريضاً وأكثر في اليوم الواحد، لكنها تشدد على أنه نظراً للصعوبات البيروقراطية واللوجيستية والإقتصادية، هناك حاجة فورية لإعادة إتاحة الوصول للعلاج الطبي في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، إلى جانب إعطاء التصاريح للخروج إلى دول ثالثة.

