تدمير المباني والبنى التحتية
- acri-rights
- Nov 24
- 7 min read
Updated: Dec 3
خلال سنتي الحرب، جرى تدمير البيوت السكنية، المناطق الصناعية والزراعية، الثروة الحيوانية، المباني العامة، الشوارع والبنى التحتية. مدن وأحياء وقرى تم تحويلها إلى خراب بطريقة منهجية، واليوم، نجد القطاع مغطى بعشرات ملايين الأطنان من الركام. لقد أظهرت صور الأقمار الإصطناعية أنّ مناطق شاسعة لم تعد صالحة للعيش فيها، ويقدّر الخبراء أن إعادة إعمار القطاع ستحتاج سنوات طويلة. مئات الآلاف من الغزيين فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم. هم مضطرون للسكن باكتظاظ، بأماكن مأوى آيلة للسقوط، والإعتماد على المساعدات الإنسانية الخارجية، التي حتى الآن ومع توقف القتال، ما زالت لا تصل بالكميات المطلوبة إلى عموم المحتاجين، وذلك بسبب تقييدات الدخول والحركة.
معطيات عن تدمير المباني والبنى التحتية الحيوية
المباني والشوارع: من تحليل صور أقمار اصطناعية، حتى أيلول سبتمبر 2025، يُستنتج وفق خبراء أن 85% من مجمل المباني في القطاع قد تدمر أو تضرر - زيادة بنسبة 7% منذ تموز يوليو 2025. في مدينة غزة التي تم الهجوم عليها بكثافة في الأسابيع الأخيرة للحرب، أظهر تحليل صور الأقمار الإصطناعية ان 83% من المباني تدمرت او تضررت ، والتي كان يسكن فيها بالسابق حوالي 700،000 نسمة. يقود تحليل صور الأقمار الإصطناعية من تموز يوليو 2025 إلى تقديرات بأن 77% من عموم شبكة الشوارع في القطاع قد تدمر أو تضرر أثناء الحرب، الأمر الذي يعطّل قدرة السكان على التنقل، وكذلك يعطّل وصول المساعدات الإنسانية إلى عموم السكان.
بحسب تقديرات منظمات المساعدة في تشرين الأول 2025، هناك حوالي 1.5 مليون غزّي ما زالوا يحتاجون مستلزمات طوارئ في مجال الإيواء، كالخيام والبطانيات وأواني جمع المياه. ما زالت الموافقة على تمرير المعدّات إلى القطاع محدودة، والكميات التي تدخل قليلة بشكل هائل مما هو مطلوب.
مياه الشرب والبنى التحتية للمجاري: قبل الحرب، إعتمدت إمدادات المياه في القطاع على مرافق التحلية، على التنقيب والآبار، وعلى إمداد حوالي 10% من الإستهلاك من إسرائيل. خلال الحرب، جرى تدمير وإلحاق الضرر ب 89% من مرافق المياه والصرف الصحي، كما توقف إمداد المياه من إسرائيل، ليتجدد بشكل متقطع فقط. إنتشر النقص الحاد بالمياه النظيفة في القطاع، حتى وصل حد الخطر بالموت. في تموز 2025، أحد أشهر السنة الأعلى حرارة، عانى 96% من عائلات قطاع غزة من قلّة الأمان في إمدادات المياه. إذ يُضطر الكثيرون لشرب مياه غير صالحة للشرب، أو للسير مسافات طويلة والإنتظار بطوابير ممتدة ومزدحمة من أجل الحصول على المياه بكميات محدودة.
بتاريخ 9 آذار مارس 2025، قطعت إسرائيل إمدادات المياه لمحطة تحلية المياه جنوب القطاع - مما أدى إلى ازدياد حدة الضائقة بين السكان، خاصة الآلاف المؤلفة ممن اضطروا للنزوح من شمال القطاع إلى جنوبه. فقط بعد أربعة أشهر ونصف وبتاريخ 26 تموز يوليو 2025، أعادت إسرائيل تشغيل تيار الكهرباء إلى محطة تحلية المياه.
إلحاق الضرر بالبنى التحتية المتعلقة بالصرف الصحي، يزيد هو أيضاً من الكارثة الإنسانية والصحية والغذائية في القطاع. فمع عدم وجود المياه للشرب والإغتسال ومع غياب الشروط الأساسية للنظافة الشخصية، تعاني غالبية السكان من الإعتلال الواسع، خاصة التلوثات والطفيليات والأمراض الجلدية.
مع توقف القتال بتاريخ 10 تشرين الأول أكتوبر 2025، طرأ بعض التحسن في إمداد السكان بالمياه عن طريق الحاويات، وحتى تاريخ 20 تشرين الأول أكتوبر 2025، تقوم منظمات المساعدة بتشغيل 1،870 نقطة توزيع في أنحاء القطاع، تحت الخضوع لمحدودية الوصول. كذلك، بدأت بعض الأعمال الموضعية لإصلاح مواسير المياه في مدينة غزة. إلاّ أنه هناك حاجة إلى إعادة إعمار واسعة ومكثفة لمنظومة إمداد المياه قبل أن يتمكن عموم السكان من الحصول على حقهم الأساسي بالمياه النظيفة وبكميات كافية.
الكهرباء: قبل اندلاع الحرب، كان إمداد القطاع بالكهرباء بشكل أساسي من إسرائيل. منذ تشرين الأول أكتوبر 2023 وخلال الحرب، قطعت إسرائيل الإمداد المنتظم للكهرباء، بل منعت أيضاً إدخال الوقود لتشغيل محطة الكهرباء الموجودة في القطاع، علماً أنّ تزويد محطة التحلية بالكهرباء هو الإستثناء. إنّ الإمدادات المحدودة غير المنتظمة بالوقود للقطاع والدمار الكبير يعنيان أن استخدام المحولات كذلك غير متاح دائماً، الأمر الذي يعرّض للخطر إمكانية توفير الخدمات المنقذة للحياة أيضاً.
مع توقف القتال سُمح لعشرات حاويات الوقود بالدخول إلى القطاع. الوقود مستخدم لتشغيل خدمات حيوية، بينما السكان في العموم، غالبيتهم كما جميعهم، ما زالوا يعيشون في العتمة. كما وأنه لأول مرة منذ سبعة أشهر، سُمح بدخول غاز الطبخ بكمية صغيرة. يشدد مندوبو الأمم المتحدة أن الدخول المنتظم لكميات كافية من الوقود إلى القطاع هو شرط أول وضروري لبداية إعادة إعماره.
تدمير البنى التحتية لإنتاج الغذاء المحلي: تقديرات الأضرار الزراعية الأخيرة قامت بها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) ومركز الأقمار الإصطناعية للأمم المتحدة (UNOSAT) بواسطة تحليل صور الأقمار الإصطناعية، صحيح لأيلول سبتمبر 2025. وهي تكشف عن أن حوالي 87% من المساحات الزراعية في غزة قد تضررت بشكل كبير جداً. وكذلك 80% من الدفيئات، 87% من آبار المياه وحوالي 72% من أصول صيد الأسماك، ومنها البنى التحتية للصيد، خاصة ميناء غزة، القوارب وبرك تربية الأسماك. كما أن الثروة الحيوانية أيضاً قد لحقتها إصابة بالغة: قطعان البقر، الدواجن والنحل التي كانت مكوّناً جوهرياً في منظومة إنتاج الغذاء في القطاع، أبيدت بالكامل تقريباً.
هذا الدمار الذي يمكن رؤيته هو نتيجة عمليات مقصودة كالتسطيح أو التسوية بالأرض، الغارات من الجو، إطلاق القذائف وعمليات أخرى قام بها الجيش الإسرائيلي. هذه الإبادة للبنى التحتية المرتبطة بإنتاج الغذاء عمّقت بشكل كبير جداً الأزمة الإنسانية في القطاع، والتي إلى جانب منع إدخال المساعدات والأغذية، أدت إلى حالة تجويع جماعي بأبشع صورها في مقاطعات شمال غزة. ليس فقط أن الهجوم الإسرائيلي قد أدى لإنهيار مصادر الغذاء المتاحة في غزة الآن، بل إنّه أحدث ضرراً شديداً بعيد المدى، سيطال تأثيّره قدرة السكان على إنتاج الغذاء مستقبلاً.
لقراءة أوسع عن الموضوع، راجعوا: "الحرب على إنتاج الغذاء: القطاع الزراعي"، في موقع منظمة مسلك.
لقراءة تقرير عن الأضرار البيئية في غزة لغاية أيلول 2025 والتوصيات لإعادة تأهيلها، راجعوا تقرير منظمة البيئة لدى الأمم المتحدة.
التدمير كسياسة
إنّ الدمار غير المسبوق الذي حدث في قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من القتال. أولاً وبهدف تقليل المخاطر على قوات المقاتلين، استخدمت نيران كثيفة قبل وخلال دخول القوات إلى أحياء ومناطق جديدة. إضافة لذلك، تم تنفيذ تدمير منهجي غير عشوائي، كان وراءه نهج عسكري وسياسي منظم. بالرغم من ان لم يتم الإعتراف بذلك رسمياً، يبدو أن إحدى النظريات المركزية التي طبّقها الجيش في غزة هي عقيدة الضاحية، والتي تم تفعيلها أول مرة في حرب لبنان الثانية (2006) ضد حزب الله بضاحية بيروت الجنوبية، ومن هنا أسمها. الهدف من هذه العقيدة هو التسبب بدمار متعمد وغير متناسب للمباني وللبنية التحتية المدنية. لكن إذا كان قد دُمر في لبنان خلال بضعة أيام مئات المباني، وقُتل بعض المئات من السكان، خاصة المدنيين، في حي واحد (وهو بحد ذاته أمر خطير)، فإن ما حصل هنا هو مواصلة الغارات والتدمير لحوالي السنتين، تدمير عشرات آلاف المباني ومئات الآلاف من الشقق السكنية، وقُتل عشرات الآلاف من الأشخاص الذين كانت إمكانية هروبهم محدودة.
بالإضافة لذلك ومنذ بداية القتال، فرضت القيادة السياسية على الجيش خلق أشرطة فاصلة داخل القطاع. وكانت المهمة مبنية على مفهوم دفاعي إسرائيلي قائم منذ فترة طويلة، بقيت نجاعته موضع خلاف، وقد تم تطبيقه إلى حد ما في قطاع غزة أيضاً، قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر. بدءاً من الشهر الأول للإجتياح البري، عمل الجيش بشكل منهجي على تسطيح المنطقة الواقعة في المدى ما بين 800 إلى 1،500 متر من الجدار الحدودي إلى داخل مساحة القطاع – حوالي 16% من مساحته. "البيريمتر"، كما سمّاه الجيش وهو عبارة عن منطقة عازلة، إحتوى على أحياء سكنية، مدارس، مساجد، مقابر، وعلى حوالي 35% من المناطق الزراعية في القطاع. كل هذا تم مَحوُه على يد وحدات عسكرية في عملية استمرت نحو سنة وانتهت في كانون الأول ديسمبر 2024. كما أن محور "نيتساريم" تحوّل من ممر ضيق وسط القطاع إلى مساحة مسطّحة يقارب حجمها مساحة مدينة تل أبيب. وصف جنود شاركوا في إنشاء المنطقة العازلة الجديدة (البيريمتر)، في شهاداتهم لمنظمة "نكسر الصمت"، الدمار التام، الذي سمّاه أحدهم على أنّه مثل "هيروشيما".
حتى أن عمليات التدمير الهائلة في منطقة البيريمتر والتي جرت في أعقاب أوامر الإخلاء وطرد السكان القاطنين في المنطقة، قد تم إسنادها بتصريحات لا لبس فيها من قبل وزراء وأعضاء كنيست حول الحاجة لوضع اليد على مناطق ليست فقط لأغراض أمنية إنما كوسيلة عقاب، تحرم السكان المحليين من إمكانية العودة إلى بيوتهم، ومن أجل تجديد الإستيطان اليهودي في قطاع غزة. على ضوء كل ذلك، من الصعب عدم الإفتراض أن التدمير لم يكن فقط لأغراض أمنية بل أيضاً من أجل الطرد والتطهير العرقي.
في نيسان أبريل 2025، أعلن وزير الأمن يسرائيل كاتس عن إضافة محور فيلادلفيا ورفح والأحياء المحيطة بها جنوب القطاع إلى ذلك البيريمتر، وتوسيعه لنحو 36% من مساحة القطاع. لغاية حزيران يونيو 2025، جرى تسطيح أجزاء شاسعة من مدينة رفح، التي عاش فيها قبل الحرب حوالي 275،000 نسمة وهرب إليها العديد من سكان شمال القطاع عند بداية الحرب. طيلة أشهر الصيف وبمساعدة عمّال مقاولة مدنيين خصوصيين، عمل الجيش على تدمير مدينة خان يونس، وفي أيلول سبتمبر 2025، بدأت إسرائيل حتى في التدمير المكثف لأحياء في مدينة غزة.
الآن ومع وقف القتال، تسيطر إسرائيل على أكثر من نصف مساحة القطاع. حيث تنص خطة العشرين نقطة التي بُني عليها اتفاق وقف القتال، على أنه في المستقبل تنسحب إسرائيل لحدود بيريمتر أمني، وهو غير مشروح بصورة دقيقة لكنه يشمل أيضاً محور فيلادلفيا. هذا يعني – أنّه أيضاً في المرحلة التالية من الإنسحاب سيبقى جزء كبير من القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية.
لقراءة المزيد عن البيريمتر وتدمير القطاع، خاصة شهادات المقاتلين، راجعوا النشر وعمود الرأي من قبل منظمة "نكسر الصمت":
كذبة البيريمتر في القطاع إنكشفت: الإبادة لم تشترِ لنا أي أمن، كتابة نداف ويمان، المدير التنفيذي لمنظمة "نكسر الصمت".
البيريمتر، شهادات جنود وجنديات من المنطقة العازلة في قطاع غزة، 2023-2024، "نكسر الصمت".
تدمير الأصول الثقافية ومواقع التراث
منذ اندلاع الحرب مورس في قطاع غزة تدمير منهجي ومتعمد للأصول الثقافية ومن بينها مواقع دينية، مواقع تراث، مواقع أثرية، مساجد وكنائس، جامعات، مبانٍ تاريخية، أرشيفات ومتاحف. وفق التقديرات لمنظمات دولية، خاصة اليونيسكو والإتحاد الأوروبي والبنك العالمي، من شباط فبراير 2025، تدمر أو تضرر ما يزيد عن 53% من الأصول الثقافية والتراثية في القطاع. منذ ذلك الوقت، ارتفع عدد المواقع المتضررة، إذ تضمّن ما نشرته منظمة اليونيسكو بتاريخ 6 تشرين الأول أكتوبر 2025، ل-114 موقعاً متضرراً أغلبها في مدينة غزة ومحيطها. كما وتم في أيلول سبتمبر 2025 تفجير المخزن حيث تُحفظ المجموعة الأثرية الأكبر في القطاع. بعد تسليم رسالة الإخلاء من قبل الجيش وفي أعقاب ضغط دولي ساعد في تأخير الضربة عدة أيام، تمكّنوا من نقل القطع الأكثر أهمية إلى الكنيسة، آملين عدم تفجيرها، إلاّ أن العديد من القطع الأخرى قد فُقد أو تهشّم.
تعتبر المؤسسات الثقافية والأصول التراثية حجر أساس في إرساء حس الإنتماء، الهوية الشخصية والجماعية والقومية، بل أيضاً مصدر دخل ومحرك تنمية بالنسبة للمجتمع المحلّي. إنّ الأضرار المنهجية التي تلحق بالكنوز الثقافية والتراث المعماري لغزة تخدم محاولة محو التاريخ المحلي وطمس العلاقة ما بين المجموعة السكانية المحلية وأرضها. وذلك في مخالفة للقانون الدولي الذي يحظر الهدم المتعمد والمنهجي للمواقع الأثرية، للمباني التاريخية والمؤسسات الثقافية والدينية، أثناء القتال أيضاً.
تحذّر منظمة "عيمك شافيه" من أنه إلى جانب التدمير الواسع للمؤسسات والأصول الثقافية المحمية، وفي ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة وبناءً على تجربة الماضي، هناك مخاوف بشأن الاستيلاء على المكتشفات والقِطع ونقلها إلى الأراضي الإسرائيلية، وكذلك المخاوف من السرقة والنهب من قبل أطراف خاصة. تقع على إسرائيل، بصفتها قوة إحتلالية، مسؤولية حماية الأصول الموجودة في المناطق التي ما زالت تسيطر عليها ومنع استيلاء الدولة أو النهب الخاص، في تطلّع نحو إعادة الإعمار وإعادة الأصول إلى مكانها التاريخي مستقبلاً.
للمزيد من القراءة، راجعوا: إبداء رأي ضد التدمير الثقافي في غزة وفي الضفة الغربية من قبل منظمة "عيمك شافيه".

