التجويع ومنع المساعدات
- Shahaf Cohen-Zeevi
- Nov 26
- 4 min read
Updated: Dec 3
تجويع ومجاعة جماعية
منذ السنة الأولى للحرب، حصلت في قطاع غزة أزمة مجاعة غير مسبوقة، وذلك نتيجة سياسة إسرائيلية شملت تدمير صناعة الغذاء والزراعة المحلية، تهجير غالبية السكان، الأشهر الممتدة من التقييدات الشديدة على مرور وتوزيع المساعدات الإنسانية والحظر المستمر على إدخال البضائع إلى السوق الخاصة.
بعد تسهيلات معيّنة في فترة وقف القتال بين كانون الثاني يناير وآذار مارس 2025، أغلقت إسرائيل بتاريخ 2 آذار مارس 2025 وبشكل تام، المعابر لغزة ولم تسمح بدخول أي مساعدة، خاصة وبالتحديد – الغذاء، لغاية 18 أيار مايو. وذلك على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل منظمات دولية وهيئات طبية بخصوص تعاظم الأزمة الإنسانية وتوقع حصول مجاعة كبيرة وقاتلة.
إبتداءً من 19 أيار مايو 2025، أتاحت إسرائيل لعدد من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أن تدخل وبشكل محدود جداً، الغذاء ووسائل المساعدة إلى القطاع. على الرغم من وجود تسهيل معيّن في شروط إدخال وتوزيع المساعدات والتي تحدث عنها تقرير الأمم المتحدة خلال شهر آب أغسطس، حالت تقييدات الحركة والتشغيل العديدة دون تمكّن المنظمات من إدخال كميات كافية وتوزيعها بشكل ناجع وبما يلبّي احتياجات السكان. من جرّاء الجوع والفوضى، كان الحصول على غالبية الغذاء القليل الذي تم إدخاله، مباشرة من الشاحنات على يد الجموع الجائعة، أو أنه سُرق بشكل منظم قبل وصوله لمخازن التوزيع.
وهكذا بشهر تموز يوليو 2025 لوحده، وثّقت جهات طبية من مختلف مناطق القطاع ما يزيد عن 13،000 حالة جديدة من سوء التغذية في صفوف الأطفال، علماً أن الوضع الأكثر حدة كان بين الرضّع والأطفال حتى عمر الخمس سنوات. في آب أغسطس 2025، أعلنت لجنة الخبراء في الأمم المتحدة المجاعة الجماعية من المستوى الشديد جداً، وأعلنت حالة الطوارئ في منطقتي دير البلح وخان يونس.
حتى تاريخ 7 تشرين الأول أكتوبر 2025، وبحسب معطيات وزارة الصحة في غزة، جرى توثيق 461 حالة وفاة متعلقة بسوء التغذية، منها 157 طفلاً قد توفوا.
مع توقف القتال، طرأ تحسن ملحوظ في قدرة الأمم المتحدة ومنظمات المساعدة على إمداد السكان المحتاجين بالغذاء، حتى لو أنه ما زال بكميات أقل بكثير من المطلوب. وذلك لأن غالبية المعابر الحدودية مغلقة، ولأن الكثير من المواد المرسلة ما زال تنتظر موافقة السلطات الإسرائيلية. على الرغم من وقف إطلاق النار، إسرائيل ترفض فتح معابر الغذاء شمال القطاع، ولذا فإنّ كمية غير كافية من الغذاء تنجح بالوصول بالذات إلى تلك المناطق التي أُعلنت المجاعة فيها، وأيضاً بسبب تدمير الشوارع. بتاريخ 24 تشرين الأول أكتوبر 2025، أبلغت الأمم المتحدة عن وجود تسهيل معيّن وعن انخفاض بنسبة الأطفال الذين فُحصوا في النصف الأول من الشهر وكانوا يعانون من سوء التغذية الشديد مقارنة مع فحص سابق – الإنخفاض من 14% من مجمل المفحوصين إلى 10% (4،994 طفلاً).
تجويع السكان المدنيين محظور تمام الحظر في القانون الدولي. مُلقى على عاتق إسرائيل الإلتزام الإيجابي بإتاحة العبور المتواصل والتتابعي للأغذية وللمساعدات الإنسانية، ومن جملة ذلك، عن طريق فتح المعابر الحدودية (خاصة في شمال القطاع ومعبر رفح بين غزة ومصر) بغية إدخال المساعدات.
للتحديثات المواكبة عن وضع السكان المدنيين في غزة وعن المساعدات الإنسانية، راجعوا – صورة الوضع في غزة بموقع منظمة مسلك.
تعريض حياة طالبي المساعدات لخطر الموت
بموازاة مع التقييدات الشديدة على إدخال المساعدات الإنسانية خاصة الأغذية، بدأت تعمل في القطاع بتاريخ 27 أيار مايو 2025 بموافقة ودعم الحكومة الإسرائيلية، هيئة جديدة لا خبرة لديها هي "صندوق غزة الإنساني" (GHF)، هدفها تركيز توزيع الأغذية في القطاع، أو في معظمه. لقد تجاهلت الحكومة الإسرائيلية تحذيرات الخبراء في المجال وتجاهلت نظام التوزيع القائم، واختارت خلق نظام جديد، عبارة عن أربعة مراكز توزيع فقط – ثلاثة في جنوب القطاع والرابع في وسطه – وذلك لمجموعة سكانية تعاني الجوع يصل تعدادها لنحو مليونَي نسمة.
في المراكز التي تم تشغيلها بشكل متقطع وزودت رزم أغذية أساسية فقط، سادت الفوضى المطلقة أثناء التوزيع، ولم يكن هناك تسجيل أو رقابة لمن تصل هذه الرزم. لم تكن طريقة توزيع الأغذية من قِبل GHF غير ناجعة فحسب، بل عرّضت حياة طالبي المساعدات لخطر الموت. بحسب تقارير وزارة الصحة في غزة ولغاية 2 أيلول سبتمبر 2025 قُتل 2،306 أشخاص وجُرح أكثر من 16،929 شخصاً آخر عند محاولتهم استلام رزم الأغذية من مراكز التوزيع أو أثناء سيرهم على طول الطرقات المؤدية لهذه المراكز. كثير من المصابين تم إطلاق النار عليهم من قبل الجنود أو حرّاس ال GHF (الأجانب والمحليين). أصيب المئات غيرهم منذ ذلك الحين حتى إغلاق مراكز التوزيع فور دخول اتفاق وقف القتال حيّز التنفيذ.
إستخدام النيران الحيّة لتوجيه الأعداد المكتظة: يظهر من شهادات لجنود وضباط أن الجيش استخدم نيران المدفعية والدبابات والرشاشات بغية توجيه الجموع السكانية القادمة لمراكز التوزيع، ولفرض الأوامر والتعليمات بخصوص ساعات الوصول والمكوث في المناطق المؤدية إلى المراكز. إنّ استخدام النيران الحيّة، خاصة نيران المدفعية والراجمات وهي وسائل إطلاق نار إحصائية وغير دقيقة، نحو مدنيين عزّل من السلاح ولا يشكلون أي خطر، وأحياناً حتى من مسافة كيلومتر واحد، هو مثال آخر على الإستهانة والإستباحة الكامنتين في أوامر إطلاق النار التي تسلمها الجنود في غزة، مع تجاهل الواجب الأولي بتجنب تعريض حياة المدنيين للخطر.
يدل العدد الكبير من القتلى والجرحى في محيط التوزيع على سياسة هدفها المركزي لم يكن إيجاد حل إنساني وسريع لضائقة المجاعة، بل تحريك السكان قصراً نحو الجنوب حيث وُضعت غالبية مراكز التوزيع، وشراء المزيد من الوقت لإستكمال العملية العسكرية في ظل الضغط الدولي المتزايد أمام مشاهد الجوع القاسية الآتية من غزة.
لقراءة المزيد عن المجاعة في غزة وإخفاقات تشغيل مراكز الصندوق الإنساني، راجعوا: منظمة مسلك – الإدعاءات التي تنشرها إسرائيل، مقابل الواقع.

